الأربعاء الماضي 15 يونيو، كنت أتأمل في عدة لوحات، منها وجه فتاة جميلة حصل عليها أحد الأصدقاء، خلال زيارتنا سويًا للمعرض الذي تضمن مجموعة من الأعمال التشكيلية.

فجأة، بينما تتجول نظرتنا بين الألوان، يأخذني شخص مبتسم إلى عناق! هتف الشاب الذي لم أكن أعرفه بصوت ملئ بالفرح: يا هلا حسن المصطفى. فكرت في ملامحه لكن الذاكرة لم تساعدني في تمييز مظهره، فسألته عن اسمه فقال: أنا فلان بن فلان وكذا، وأنا ممن يتابعون كتاباتك ومقابلاتك. باستمرار.

علاوة على ذلك، فاجأني هذا الصبي المفعم بالحيوية أنه يعرف القليل من تاريخي وأفكاري، وأنه لم يكن مجرد تابع سطحي.

من المهرجان الثالث لأجنحة إدارة الوقت

الانتماء إلى القاعدة

والشاب الذي التقيت به عضو سابق في تنظيم “القاعدة” اعتقل خلال الحملات التي شنتها قوات الأمن السعودية ضد التنظيم وأعضائه. والآن وبعد أن أمضى قرابة 17 عامًا في السجن، بدأ في إجراء العديد من المراجعات الفكرية والتغييرات الثقافية والسلوكية خلال سنوات اعتقاله، بعد أن حكم عليه بالانتماء إلى تنظيم إرهابي، وكان جزءًا من كادره الإعلامي. وجهازه الدعائي.

وكان المعرض الفني، الذي تضمن العديد من الأعمال التشكيلية والحرفية، وأقيم اللقاء فيه، في إحدى القاعات التي اكتظت بالنزلاء والزوار والأهالي والصحفيين في سجن “الحائر”. المباحث العامة “بالعاصمة السعودية الرياض حيث شهدت المهرجان الثالث لـ” أجنحة إدارة الوقت “. إنها أجنحة في السجون، مخصصة للمعتقلين الذين يديرون أنشطتهم بأنفسهم، ويحاولون من خلالها تطوير مهاراتهم والاستفادة من وقتهم في عدة مجالات: فنية، وثقافية، ورياضية، وحرفية … وغيرها!

من المهرجان الثالث لأجنحة إدارة الوقت

من المهرجان الثالث لأجنحة إدارة الوقت

أرشيف القاعدة!

بالعودة إلى الشاب الذي التقيته، والذي كان عضوا سابقا في تنظيم “القاعدة”، كانت صدفة أنه كان يملك جزءا كبيرا من الأرشيف الفوتوغرافي لعمليات وتدريب “القاعدة”. تنظيم القاعدة، وهو الأرشيف الذي أصبح بحوزة “المباحث العامة” بعد وقت قصير من اعتقال الشاب، وجزء منه استُخدم في فيلم وثائقي مهم بعنوان “كيف واجهت السعودية القاعدة”.، من إنتاج OR Media، بثته قناة العربية عام 2015. شاهدت الفيلم بأجزائه الثلاثة قبل عرضه على الشاشة، حيث عملت على إعداد ملخصات إخبارية وتقارير مستفيضة عنه لـ “العربية نت” “الموقع والشبكات الاجتماعية للقناة.

لقد كانت لحظة محيرة، مع الكثير من المشاعر بالنسبة لي، لمقابلة شخص مثل هذا الشاب، الذي أثار الكثير من الأفكار بالنسبة لي، خاصة أنه بعد أن ابتعدت عنه، رأيته يتجه نحوي مرة أخرى لتقديمه. أنا لأخته وابنها اللذان أتيا لزيارته والتعرف على فعاليات المهرجان، خاصة وأن أحد الأهداف التي تسعى المباحث العامة إلى تحقيقها هو توعية أسر النزلاء بتفاصيل حياة المعتقلين. أطفالهم المحتجزين والنشاطات التي يقومون بها حتى لا يكون هناك انقطاع بين العائلات.

من المهرجان الثالث لأجنحة إدارة الوقت

من المهرجان الثالث لأجنحة إدارة الوقت

اجتماع العائلة

الوقوف للحظة مع أفراد أسرة نزيل شاب في السجن، والتحدث معهم، خاصة وأن أخته في مكان والدته، هو اختبار صعب، ولكن الأهم هو منحهم الأمل و الثقة بأن ابنهما بخير، وأنه ليس هنا انتقامًا أو كراهية له، ولكن بسبب أفعاله في انتهاك للقانون، فقد هدد أمن وسلامة المجتمع، وهو يقضي عقوبة بحقه، والأهم من ذلك، أنه يشارك الآن في العديد من الأنشطة اليومية، ويستفيد من وقته – قدر الإمكان – دون إضاعة سنوات حياته. أصبح شخصًا برؤية متناقضة تمامًا مع نهجه السابق.

خاطبت أخته قائلة لها: أعرف شعور انتظار أهالي المعتقلين، وحرصك الكبير على لقاء أخيك في الخارج، وكل شيء بيد الله تعالى ؛ لكن الأهم أن أخوك بخير، وترتفع ابتسامة على وجهه، ابتسامة ليست مصطنعة لكن يمكن رؤيتها بوضوح، وعلاقته بالضباط والجنود وزملائه في “إدارة الوقت” الأجنحة جيدة جدًا … واصلت الحديث معها عن تطور شخصيته وتغيراته المعرفية، وهو جانب ذو أهمية عالية، مما يجعله جاهزًا للاندماج في الحياة العامة بسهولة أكبر بعد إطلاق سراحه وانتهاء صلاحيته. من عقوبته.

قم بتدوين الأفكار!

الشاب المبتسم لم يكتف بذلك، بل أراني كتيبًا يعمل عليه، وفيه تنقيحات فكرية عديدة، ويسعى في المستقبل للتعاقد مع دار نشر وطباعته.

هو ليس وحيدا، ولكن هناك زميل آخر له، يعمل على كتابة رواية، يروي فيه سيرته الذاتية، والتغييرات التي مر بها، وكيف كان، وماذا أصبح هو ومجموعة من رفاقه الآن. .

قصص التطور!

وهذه من القصص المعبرة التي تشير إلى أن الهدف من كل هذه الأنشطة في برنامج “إدارة الوقت” في سجون “التحقيق العام” في المملكة العربية السعودية، هو أن يستفيد النزلاء من الخيارات المتاحة لهم، وتطويرها. أنفسهم وخبراتهم، وألا يكونوا بينهم وبين “رؤية المملكة”. 2030 ”، بحيث تواكب عملية الإصلاح الجارية في المجتمع.

احتواء هؤلاء النزلاء والدخول في نقاشات صريحة وحرة معهم، وتوعيتهم بأنهم جزء من هذا المجتمع، وأنهم سعوديون، بنات وأبناء هذا البلد، وأن المقصود هو تغيير الأصولية السلبية. أو التفكير العنيف الذي دفع بعضهم للانخراط في التنظيمات الإرهابية أو دعم الخطابات التكفيرية أو تبني أفكار تضر بأمن واستقرار المملكة العربية السعودية. هذا هو المقصود بمعنى أن “السجن” ليس مكاناً للانتقام. الدولة ليست كياناً فطرياً دموياً يمارس العنف ضد المواطنين. بل هو كيان وظيفته تنظيم الشؤون العامة وضمان حقوق المواطنين وأمنهم وسلامتهم وإنفاذ القانون والحفاظ على النظام العام.

إنها واحدة من عدة قصص تستحق أن تُروى. هناك فتيات وشبان مفعمون بالحيوية. لقد ارتكبوا أخطاء، بعضها شديد الخطورة، نتيجة ظروف وسياقات تاريخية وخطابات ملتهبة وحملات إعلامية مكثفة في فترات سابقة. إنهم يصرون على قطيعة الماضي بكل مشاكله، بعد أن تبين لهم أن العنف والتكفير وحمل السلاح والولاء للخارج والتحريض كل هذا لن ينجح.